هل قمت بملاحظة ديناميكية الحياة والعلاقات في بيئة عملك؟ عندما تضعها تحت المجهر تجدها ليست بعيدة عن تعقيدات العلاقات والحياة الاجتماعية، حيث يحتاج الفرد والمنظمة إلى تحسين عاداتهم وطبائعهم باستمرار ليحدث انعكاس بشكل إيجابي على حياتهم العملية ويرتفع شعورهم بالسعادة. الأمر الذي سينعكس على تحسن آداء المنظمة بشكل عام فتزداد فرص نجاح الفرد والمنظمة معًا.
ثقافة العمل وبيئة العمل كلاهما يؤثر على الآخر
يخلط الموظفون بشكلٍ عام بين مفهوم ثقافة العمل وبيئة العمل. سيكون حديثي هنا عن ثقافة المنظمة وهي مجموعة الأفكار، العواطف، القواعد والتوقعات يتعامل فيها الموظفون في منظمة ما بشكلٍ كبير في سياقاتٍ مختلفة.
أما بيئة العمل فهي الموقع الذي يُستخدم لأداء مهمّةٍ مُعيّنة عادةً ما تكون مادية كالمكاتب أو مقرات المنظمة وتشمل جودة الأثاث وتقسيمه، جودة التهوية والمساحات الخضراء، النظافة، الاستغلال الأمثل للمساحات، وجود الأماكن المناسبة للراحة أو الترفيه وبناء الروابط بين الموظفين.
تتشكل الثقافة وتتأثر بعدة عوامل منها هيكل السلطة، السياسات والإجراءات المتبعة، مجال الصناعة كذلك التنافسية وآخرها وأهمها العقلية الإدارية للمنظمة والأفراد كذلك. المنظمات تحتاج لمجموعة إيجابية من القيم والطباع والعادات والممارسات غير المعلنة أو المقصودة لرفع من مستوى الرضا والآداء لدى الموظفين.
تؤثر الثقافة في بيئة العمل، بمعنى أن الشركة التي تقدر العلاقات والتعاون بين الموظفين عادةً ما تصمم مكاتبها بشكل يسمح بالتعاون والشفافية وسرعة العمل. وكذلك تؤثر بيئات العمل على الثقافة بمعنى أن تخصيص مساحة من الشركة للترفيه والراحة تشجع الموظفين على التعارف والاسترخاء عند الحاجة.
وفي ذلك تُلهمنا مقولة هابسبوت في الإدارة والتي تنص أن "ثقافة العمل للتوظيف هي المنتج الذي يستخدم للتسويق". وتعني المقولة أن الثقافة هي أهم عامل بيع بالنسبة لاستقطاب المواهب وتوظيف الكفاءات والعقليات المماثلة للثقافة السائدة. حيث يرغب الموهوبون في العمل في ثقافة صحية، منتجة، عادلة، ومحفزة لهم. بالنسبة لنا العاملين في قطاع تطوير وتدريب رأس المال البشري يهمنا هنا الإشارة أن أهميتها تكمن في استمرارية الحفاظ على المواهب حيث إن تعيين موظفين تتسق عاداتهم وثقافتهم مع قيم وثقافة المنظمة يضمن استمرارية المنظمة.
برأيك ما هو المصير الذي يواجه المنظمات التي يتدرج الأشخاص في الهرم الوظيفي دونما أن تتوفر الكفاءات المطلوبة ودونما تمثيل لقيم المنظمة؟!
إننا نجد أن ثقافة المحسوبيات تنال من عزيمة الأكفاء، وتخبت حماسة الجادين والمنجزين. ويظهر التبني الجاد لفكرة الممثل المصري محمد صبحي التي يقول فيها:(القاعدة الأساسية عندنا تشتغل كتير.. تغلط كتير .. تترفد.. تشتغل نص نص .. تغلط نص نص .. تتجازى… ماتشتغلش خالص .. ماتغلطش خالص .. تترقى) وإن كانت في قالب كوميدي ولكنها واقعية تمثل أحوال الموظفين خير تمثيل وأثارها - ياللطيف ألطف- أسود وكارثي😣.
كيف يتشكل الوضع الطبيعي الجديد في ثقافة المنظمات؟
إذن كيف نعيد تشكيل ثقافة بيئة العمل؟! تخيل أن بعض الزملاء يقومون ببعض التصرفات التي لا تعتبر مهنية ولكنك تتسامح معها. ماذا ينتج بعد فترة؟ يقوم زميل آخر باتباعها، فمجرد أن تتركها تكبر وتتكاثر، لأن طبيعة البشر يكررون ما رأوه فليس كل البشر لديهم القدرة العالية على إمعان العقل وتحليل التصرفات فلذلك تدخلك لتصحيح المسار أمر هام، أهم الركائز التي تقوم عليها ثقافة المنشأة هي التدخل المبكر لتصحيح المسار لأنه - يا عزيزي القارئ - عند فوات الأوان تصبح التصرفات السيئة هي الثقافة الطبيعية الجديدة. مثال أخر عندما يسمح للأشخاص ولو لمرة واحدة فقط بإلقاء ملاحظة ساخرة أو تشبيه غير لائق فإنها ستتحول لكرة الثلج وستتشكل عاصفة جماعية من نفس السلوك وسرعان ما يصبح الأمر عادياً ومقبولاً وستصبح جزءا من ثقافة المنشأة ويظهر مفهوم جديد للأمور الطبيعة. كثيرة هي الأمثلة التي تعاني فيها المنشآت من أعراض ثقافة مؤسسية بائسة، كأن تعد التقارير بشكل غير دقيق وترسل بشكل غير احترافي، وحين تعقد الاجتماعات لما يمكن أن يسد مكانه البريد الالكتروني. وعندما يسحب الموظفون من أعمالهم المهمة للقيام بما هو أقل أهمية.
نحن نعلم أن شرارة واحدة كفيلة بإحداث حريق. فعندما يحدث الأمر أمامك وتدعه يمر بسلام فأنت متواطئ في تشكيل ثقافةٍ مؤسسية هزيلة. انتبه!! الأشياء الصغيرة تكبر والمشاكل تتفاقم عند تجاهل الأعراض، والأمراض تنتشر إذا لم يتم احتواؤها.. والقاعدة تقول كلما زاد معدل ممارسة السلوك سيزاد تأثيره على الهيكل التنظيمي للمنشأة وتتأثر الثقافة الإيجابية السائدة فيها.
إعادة تشكيل ثقافةٍ مؤسسية جاذبة وترميم الثقافة السائدة يتطلب جهدًا أكبر بكثير من إرساء ثقافة منذ البدء. فعليك الحذر، وعدم السماح بتمرير ممارساتٍ سيئة مهما صغرت لأنها ستكون في مجملها ثقافة المنشأة. تذكر أن ثقافة العمل هي ما تفعله. وليست ما تنوي أن تكونه. أو ما تتمناه أو تطمح إليه. لذا أفعل ما هو أفضل - و أتوكل على الله-.
هل أحسست بخطر الأمور الصغيرة التي يتم تجاهلها بقصد أو بدون قصد ؟ لا تخف يوجد نور في نهاية النفق، في الحقيقة الثقافة متحركة ويعاد تشكليها في متوسط مدة 50 -60 يومًا. ويمكن القيام بتصحيح المسار من خلال عملية إدارة الأداء ومشاركة الأهداف الثقافية الجديدة مع الموظفين والتشجيع على ممارستها.
تذكر سلوك الموظفين ما هو سوى انعكاس لثقافة المنظمة التي يعملون بها. فكن جزء من تشكيل ثقافة طبيعية حلوة وكن على مود الفنان حمود الخضر اللي يقول:( بصير أحسن ولا يمنعني شي، ما دامه راسي حي ،بسوي اللي عليّ 🙂).
مع كل الود والحب ،،،
أمل الكناني
Comments