top of page
Search
Writer's pictureamal.alkinani

3- أناقة الصمت

Updated: Aug 25, 2023


ألا تتفق معي بأن منظر الشخص الهادئ قليل الكلام يوحي لك بالحكمة والرزانة، لا أقصد الرهبة والتوجس، والريبة منه. ترددت على مسامعي في الطفولة عبارة "كن دائمًا آخر المتحدثين...وإن لم تضف شيئًا فالأفضل التزام الصمت". أحببت أن نتحدث عن أناقة ذلك الضيف كثير الغياب وقليل الظهور والتجلي، والذي يرمز في داخل كلِ منا إلى رمز "الحكيم الداخلي" هو الصمت الأخ الشقيق للفراغ أصل منابع القوة، وبداية كل أنواع الوعي لما يدور بداخلنا وحولنا.

من خلال الصمت يمكنك التحكم في كامل حياتك وكامل أفكارك وأحاسيسك، تفهم قوانين الله في الكون وتكتشف أسرار تسخيرها لك. أليس الاعتكاف في الثقافة الإسلامية تربية على أناقة الصمت ومكان ظهور وتجلي الحكيم الذي بداخلنا!

في ثقافة بلاد الهند تجد مفهوم تنشيط شاكرات الجسد وهي عبارة عن مراكز تتجمع فيها طاقة الإنسان وتتوزع على كامل الجسد من خلال مراكز أساسية وفرعية. كيف يتم تنشيطها برأيك؟ نعم، عن طريق صديقنا الحكيم "الصمت"، من خلال التحكم في التنفس وممارسة التأمل الصامت.

لماذا أتحدث عنه؟ أراه هو أصل الحب وتوازن الحياة. إذا نظرت حولك ستجد الصمت تقريبًا والفراغ يتواجدان في كل شيء، الكون في فراغ صامت ومن دونه لن يكون هناك أصل للوجود حتى في نفسك أنت.

للصمت إيقاع، في دقات قلبك… بين ضربة القلب والأخرى صمت، فإن لم يحدث ذلك فسوف يحدث خلل، إن كانت دَقات القلب تسير دون صمت فهذه حالة طبية مرضية تسمى الضغط المرتفع، وقد تحدث ذبحة صدرية - لا قدر الله - وإذا كان الصمت طويلاً فيسمى الضغط المنخفض.

كذلك بين الفكرة والأخرى صمت فعند الوقوع في مشكلة، إذا كان التفكير والتركيز عليها مرتفعاً، فسوف يحدث لديك خلل إما قلق، توتر، فقدان، توازن، أو أرق اختر ما شئت؛ هذا الأمر سوف يستنزف طاقتك، وبالتالي يحدث ضرراً على الجهاز المناعي علاوة على عدم الخروج من هذه الحلقة لأن زيادة الضغط يمنعك من أن تصل للحكيم الداخلي؛ يعني ذلك إذا قل الصمت خطر وإذا زاد خطر، فما الحل إذن؟ الأفضل وجوده بالمعيار الصحيح المتزن.

لكن يا صديقي، إتقان الموضوع يحتاج إصراراً واستمرارية فهو لا يظهر بسهولة إلا لمن عرف قيمته ودرّب نفسه على احترام ظهوره. عندما تفهم الحكيم الداخلي وتأذن له بالحضور فسوف تصل فورًا إلى الصمت. أن تعيش الصمت يعني مراقبة اللحظة الحالية والتقبل التام فلا يمكن لشخص أن يعيش في الماضي أو في المستقبل ويتوقع أن يعيش الصمت، هو السهل الممتنع. أسرد لك فيما يلي عدداً من النقاط التي تساعدنا على أن التناغم معه:

أولاً: التدرّب على الصَّمتِ لأطول فترة للحصول على الهدوء وتخفيف التوتر كذلك السيطرة على الذات أثناء المشاركة في المناقشات.

ثانياً: كن مٌستَمعِا من خلال تجنّب التعبير عمّا يدور في ذهنك قبل سماع جميع آراء وأفكار الأفراد الآخرين، وخاصة عند الوقوع بالمشكلات وعدم التسرع في إعطاء الأحكام المسبقة.

ثالثاً: استثمر لحظات الصَّمت بالتدوين والكتابة للمحافظة عليه وزيادة الوعي.

رابعاً: ممارسات التأمل تساعد على الاسترخاء وتصفية الذهن وكذلك سماع الألحان أو أصوات الطبيعة.

في العقلية اليابانية يعد الصمت من الصفات الحميدة، بل هو شيء يرقى إلى درجة الفضيلة الأخلاقية ويعتقد اليابانيون أن ”فراغات الصمت“ ليست شيئًا غريباً أو مستهجناً فمثلاً لا يوجد داعي للحديث بعد سماع عرض تقديمي رائع، فالتزام الصمت عمدًا وسيلة بليغة للتعبير عن رد الفعل والانطباع الجيد.

عجيب أليس كذلك؟

يجب أن نعيش الصمت في حياتنا بتوازن، كذلك مراجعة فترات الصمت في حياتنا ضروري جداً، وإذا اتضح أنك تعيش في الصمت وعدم الحركة لفترة طويلة فاعلم أنك والحكيم الداخلي في وضع لا تحسد عليه. إن في السكون والصمت لحناً خلاباً، حين تصمت يبدأ الحكيم الذي بداخلك باختراع أوتارِ جديدة في حياتك. جربه ولن تندم!

مع كل الود والحب والله،،،

أمل الكناني

جلسات التأمل في العلا - ديسمبر 2022م

196 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page