
بالرغم أني لست من عشاق الجميلة المدورة "الكورة" ليس قصوراً بها - معاذ الله - لكن زي ما يقال:" me and football do not mix😂". طعم المونديال 2022م أكيد غييير، فهي اللعبة الأكثر شعبية ترتكز على الذوقيات والأداء والمهارة والفنيات، ولا يخفى أن أثرها والرسائل التي تحملها في الاستاد الرياضي لا تقف عند حدود المرمى وتمريرات اللاعبين وروح الفريق فقط، أزعم أن في هذا المونديال 2022م مايحدث خارج مساحة المسرح المستطيل الأخضر له انعكاس عجيب وسريع على ما يحدث داخله والفضل يعود طبعاً لقوة الإعلام وسرعة مشاركة الفيديوهات على السوشيال ميديا.
في مونديال قطر لم تبق كرة القدم بعيدًا عن دائرة القيم ودائرة اختلاف المجتمعات ودائرة الفكر لدى أطياف مختلفة من شعوب العالم؛فقد تكون فرصة رائعة للوحدة والتضامن والروح الرياضية في نظر البعض - ويا لطيف ألطف! - سلاح لنشر العداوة وتفريق الصفوف وامتعاض أفكار ومعتقدات لبعض المجتمعات كذلك! ولا يخفى على أحد منا أنه تسبب في تقسيم العالم الذي نعيش فيه تبعًا لما يصيبنا من فرح وحزن وكذلك في تشكيل وتكوين علاقات صداقة وعداوة. ولنا في المباريات مثل: لعب المنتخب السعودية مع الأرجنتين أو بولندا أو المنتخب الأمريكي مع المنتخب الإيراني أو المنتخب التونسي مع المنتخب الفرنسي أو المنتخب كوستاريكا مع منتخب الألماني.
لا ننسى الأسباب التي كانت وراء ظهورها أكانت رغبة بعضهم باستخدامها لإلهاء أو مرح الجماهير، والبعض الآخر وظفها لتوحيد نسيج المجتمع، أو بعيداً عن هذا وذاك توظيف لفكرة التركيز على التفوق والتميز. مهما كان الغرض ففي هذا المونديال بسبب التسليط الإعلامي الرهيب وخاصة بعد الفترة العصيبة التي مرت على كوكب الأرض - فترة الكورونا - تنذكر ما تنعاد ،تجد أصوات - وإن علت فهي خافته الأثر - تنتقد تنظيم قطر مونديال 2022م من خلال جعل المونديال ليس مجرد بطولة كرة قدم، بل قاعة محكمة، القاضي غائب فيها، أو مهرجان لمناقشة الهًويات والأفكار المختلفة بعيداً عن كرة القدم، فوجدنا الظهور مفتعل لقضايا مثل ارتداء رموز وشارات أو ارتداء زي "الحملات الصليبية" أو حركة تكميم الأفواه أفعال سأبتعد عن الحديث عنها لأن وجهات النظر فيها مختلفة ومسائل قد لاتهم أو تمس السواد الأعظم من الناس في حين أن قضايا أهم من المفترض أن تشغل العقل الجمعي وتهم أمن كوكبنا الأخضر أو على أقل تقدير يكون الحديث عن تطبيقات وتقنيات جديدة تم إعمالها في المونديال تخدم الجماهير و الحكام في المباريات.
كمراقب بعيد أرى أن المنتخبات الخليجية والعربية اتفقت على قاعدة “الفوز للأفضل وعلى قلبوه بـــ100 عافيه”، ممارستهم اعتراف ضمني أن اللعبة تتفوق بذاتها بجمال فنياتها وقواعدها وسلوك الفريق والمشجعين كذلك؟! لكن عندما تقحَم كرة القدم في مناطق في غير حدودها، فإنها تتجاوز كونها مجرد لعبة ويصبح طعمها ماصخ لاهي قهوة ولا شاي ماتشا.
عشاق الشاي على دراية بأحد أجمل الأنواع وهو شاي الماتشا ذو اللون الأخضر الجميل - عندي غلاته زي عشقي لحلق الأذن المصنوع من الزمرد 🙂-. اخترت العنوان لتوثيق حالة جديد في مونديال قطر 2022م كمشاهد انبهرت لما رأيته من قطر أوفت بوعدها للعالم منذ ما يقارب 12 عام وكم أذكر ذلك اليوم كأنه الأمس فهم فعلاً أوفوا بالوعد والحلم تحقق - مبارك لهم يستاهلون والله -.
لنترك أسباب عدم تأهل منتخبنا الأخضر، لكن لعبهم كان جميل واحترافي ولعبوا بروح الفريق بالرغم من عدم توقع الكثير للفوز في مباراة التاريخية الأولى لكن تعلمنا أو تذكرنا كم درس مهم: never say never أبدا لا تقول أبدا ولكل مجتهد نصيب. في حقيقة يكفي روح الإيجابية والفرحة سواء في العالم العربي أو الإسلامي أو العالمي كذلك.
ففي هذا الفوز انعطى أمل قوي للفريق الياباني باحتمالية الفوز وأن الكل يقدر يقرب منه ويتذوقه كمان. كم ضحكنا لنوادر المشجعين الجميلة وأعتقد أشهرها "مسي وينه؟" والأعجب تناقل الجنسيات المختلفة لها بسياقات مختلفة وشهرة شاب قطري في دولة الصين وفي يوم وليلة أصبح لديه عشرة مليون متابع بعد تواصل تطبيق التيك توك معه وطلب فتح حساب عليه. عزيزي القارئ ما رأيك أنت في ذلك؟ وما أكثر شيء أضحكك أو تحتفظ فيه في مفضلة حساباتك في السوشيال ميديا؟
من الذوقيات المهم علينا أن نتذكرها هي أن تكون في حالة وعي دائم بمعنى أن تكون ضيفًا، والتصرف تجاه ثقافة البلد باحترام، أسوة بمثل:"ياضيف خليك أديب" وأزيد عليها "خليك خفيف طينه" بدون فرض نمط حياتك على كل مكان تذهب إليه. لابد من استيعاب مفهوم الثقافة، وليس معناه أنك تفرض بتشدد ثقافتك أو عاداتك على الآخرين. لك الحق أن تستعرض بطريقة ودية أو عفوية (تحتها كم خط عريض) شيء يتعلق بثقافتك مع الوضع بالحسبان أنه ليس حقًا مكتسبًا.
الشعار السامي المتفق عليه للمونديال هو تأدية وظيفة متمثلة في تعارف الشعوب على كوكبنا الأرض وليس فرض نمط فكري معين وأسلوب حياة بلدان.شئنا أم أبينا علينا اليقين من عدم قدرتنا بشكل كامل على استيعاب جميع الأفكار و التيارات في مثل هذا اللقاء الثقافي العالمي.هناك شعوب ارتقت بأخلاقها وطريقة تمثيلها لنفسها أمام العالم وشعوب سقطت وفقدت احترامها، لن ننسى سفراء اليابان في ملاعب كمشجعين أو كلاعبين - مثال يحتذي به كيف تكون سفيراً لما تؤمن به؟-
قطر صاحبة المكان والسيادة والإمكانيات وهي الدولة المضيفة، ألا يجب أن يكون المجتمع العالمي مستعداً لرؤية هذا البلد والتعرف إليه والتعلم منه. مَن سافر إلى قطر وجب عليه استغلال الفرصة كاملة للتعرف إلى نموذج بلد إسلامي بتاريخه وثقافته وقيَمِه وعاداته، قطر تستفيد من هذه الفرصة في التعريف بنفسها ونشر ثقافتها وعاداتها وعادات الخليج المشتركة كذلك.
نرجع قليلاً للوراء بالنسبة لي المونديال يعتبر أداة لتتبعِ وتوثيقِ حالتك النفسية والجسدية والتوثيق كذلك لأفكار وتغييرات التي جرت في المجتمع فهو يوثق قفزات تمر بها في العمر وفصول مختلفة من قصة حياتك. شخصياً عندما وقع التنظيم في دولة قطر منذ عام 2010م، كنت أحسب كم سيكون عمري وياريت العمر يرجع لتلك اللحظة لسحب الجملة التي ذكرتها لنفسي "وووي … بتكون في الأربعين، وبتكوني عجوزة" ولا أرى قطرة من الصحة في الصورة التي تخيلتها آنذاك.أعتقد أن النضج يعني تغيير نظرتك للأمور مع فصول عمرك المختلفة كما تغيير تفضيلك مثلاً في أنواع المشروبات مرة شاي أحمر ، مرة شاي بالتوت، وفي هذه المحطة من عمري إعجاب شديد بالماتشا.
مازال المونديال مستمر والحماس مشتعل وفرحة بتأهل أسود المنتخب المغربي مفرح للمنطقة ككل.ونراقب عن كثب مفاجئات هذا المونديال وفي أيدينا فنجان شاي بطعم الماتشا.
مع كل الود والحب والله،،،
أمل الكناني
مطار حمد الدولي، شهر نوفمبر 2022م
Commentaires