بعد إجازة خفيفة عن مهام العمل، جرت العادة أن أخصص وقتاً كافياً لمقابلة الأصدقاء وزملاء العمل السابقين، أرواح أكرمني الله على مقابلتها في إطار العمل ومن ثم تطورت علاقاتنا إلى صداقة بل ومستشارين كذلك في مناحي الحياة المختلفة.
هذه المرة على ضوء القمر على ضفاف شاطئ البحر الخلاب، حوار مطول عن التحديات التي تواجهنا في أعمالنا أسواء كنا رائد أعمال أو موظف في شركة حكومية وخاصة كانت أو عالمية وأمهات خرجن لسوق العمل مؤخر اًو مقارنة ما نواجه في بيئات العمل وقطاعات مختلفة.
قصة تجر قصة وحكاية مضحكة إلى موقف مخجل أو غير مريح في العمل حتى ذكر لنا صديقنا المخضرم مفهوماً انتشر في السنوات الأخيرة وهو "الاستقالات الصامتة"، اتوقعك الآن مثلنا رافع حواجبك وتسأل (ها.... انجليزي داه يامرسي).
Giphyالمصدر
خطر الشخص الصاخب:
Giphyالمصدر
عزيزي القارئ: قد تكون عملت أو تعرف مجموعة من زملاء متظاهرين بالعمل ترى كلامًا كثيرًا بلا إنجازٍ يُذكر، شغله يوم تأخذ عام في قاموسه. ألخص لها بكلمتين على قولة اخواننا المصريين: (بوق على فاضي). هؤلاء الشخصيات يطلق عليهم مصطلح "الموظف الصاخب".
تعرفهم نيكول برايس خبيرة في العمل:" موظفون يركزون بشكل أكبر على جعل عملهم معروف أكثر من التركيز على مهام العمل نفسها. ويستخدمون طُرقاً مختلفة للترويج لذاتهم ويتحدثون أكثر عما يفعلونه أو عما يخططون لفعله بدلًا من الاستمرار في مهامهم، وقد ينشطون في الشبكات الاجتماعية المهنية.
الاستقالات الصامتة Quiet Quitting:
هذا المصطلح صاغه أندريه سبايسر، أستاذ السلوك التنظيمي بكلية Bayes Business School لإدارة الأعمال في جامعة لندن، تعني باختصار خروج الكفاءة من القطاع وبقاء المتظاهرين بالعمل أو ما أطلقنا عليهم الموظف الصاخب.
في المسح الذي أجرته شركة "سلاك"Statista تقارن الموظف المنتـج وكذلك المتظاهر بالعمل وتبين ذلك بناء على الجنسية. حيث أن الأول هو أن يعمل الموظف في المكتب بشكل فعال منتج، والنوع الثاني يتظاهر بالعمل، لكن دون أن ينتج شيئا. هذا النوع الأخير أطلق عليها بالـ “العمل الاستعراضي Performative Work ". وبالعودة إلى أندريه سبايسر يرى أن الموظفين الكفاءة يعطون الأولوية دائمًا للهدوء والتوازن بين الحياة والعمل. ويرفضون ثقافة الصخب وبالتالي إذا كثر عدد الأخير أدى ذلك إلى الاستقالة الصامتة.
التأثير على ديناميكيات الفريق:
تشاركني صديقة عزيزة تفشي كثرة انتقال أشخاص كفوء في أحد الأقسام بسبب عدم التوازن في الجهد والاعتراف بالمجتهدين، مما يؤثر سلبًا على معنويات الفريق كما يحدث زيادة حالات الاستقالات.
لسوء الحظ، إن العمال الصاخبون يؤثرون سلبًا على فريقك وحتى حياتهم المهنية عن طريق بناء بيئة عمل يتم التقييم والترويج الذاتي أكثر من النتائج الفعلية، مما قد يثبط عزيمة الموظفين الذين هم أكثر هدوءاً أو يفضلون ترك عملهم يتحدث عن نفسه. ناهيك عن جوًا من المنافسة بدلاً من التعاون.
التوظيف الهادئ هو الحل السائد في مكان العمل في عام 2023:
التشخيص نصف العلاج فلابد من معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا السلوك. يعزي البعض إلى:
هل سمعت من قبل بالمثل التركي: "عندما يدخل مهرج إلى القصر، لا يصبح ملكاً، بل يتحول القصر إلى سيرك". قد يكون أهم الأسباب ضعف الكفاءة ومهارات العمل.
قد يكون شعوراً بعدم الأمان أو الثقة بذاتهم لذلك يعوضون النقص بالكلام.
قد يكون الهدف الحصول على مكافأة وتقدير من الغير.
قد يكونوا واثقين من عملهم لكن "الفخر المبالغ به أو الهياط الزائد " مشكلتهم.
علينا كقادة تقييم الأفراد والفرق بناءً على أدائهم الفعلي وليس قدرتهم على الترويج لأنفسهم عن طريق:
فهم أساليب التعبير: أيادينا ليست متشابةً فالبعض يتحدث بصوت عالي عن جهوده حتى ولو كانت ضئيلة، بينما البعض الآخر أكثر هدوءاً وتركيزاً على المهام التي يقومون بها وأكثر انتاجية هذا التنوع في فريق فعال مهم لكن عليك كقائد معرفة ذلك والتميز بذكاء عالي.
أعرف صاحب الجهد الحقيقي: قم بالنظر واعترف بالإسهامات بشكل صريح وشجع على أداء الأعمال. هذا الأمر يشجع على تقييم الإنتاجية والنتائج الفعلية وليس لمجرد الظهور. هنا نشدد على أن كثرة الاجتماعات والمشاركة فيها لا يعني البتة أن الفرد منتج بل بالعكس قد يكون مثالاً لتضيع الوقت.
استمرارية التواصل: إذا لاحظت أحد أفراد فريقك “يهايط" بشكل مستمر في عمله أكثر من النتائج الفعلية فتحدث معه حول هذا الموضوع، شجع على التوازن بين الترويج الذاتي والعمل المنتج وهذا لا يساعد الفرد فقط ولكنه يفيد الفريق بأكمله.
ثقافة الواقع: مارس التغذية الراجعة بشكل مستمر (تأكد أن كثيراً من الأفراد لا يفضلونها، فالجلوس في منطقة الراحة لوقت طويل أمر مريح وأجمل من الحركة).
اجعلها واقعاً: شجع ثقافة "تألق" من خلال تشجيع الأفراد على جعل الأفكار تنتقل من العقل إلى الواقع، فلا يضيعون الوقت في كلام عنها بل يجعلها حقيقة ملموسة.
إن الهدف من النقاط السابقة هو الحد من انتشار هذا السلوك والذي قد يقتل الروح المعنوية في مكان العمل. فالعمل الهادئ هو ما يحافظ على استمرار عمل المنظمة. فعليك كقائد النظر إلى ما وراء الضوضاء و الاعتراف باسهامات أولئك الذين قد لا يكونون صريحين في عملهم. يوافق تلك النصائح للقادة ما تم ذكره في أحد جلسات مؤتمر الموارد البشرية في الرياض العادات السبع للمنظمات الصحية وهي:
العادات السبع للثقافات للمنظمات الصحية The Seven Habits of Very Healthy Cultures
مجلس الإدارة يهتم بالثقافة Boards care about culture
عقلية التعلم A learning mindset
ممارسات القادة يحتذى بها Leaders lead by example
حديث عن القيم من القادة بانتظام communicate values Leaders regularly
محاسبة القادة لنتائج الموظفينLeaders held accountable for employee outcomes
سوء السلوك يتم معالجته فوراًPoor behavior h addressed immediately
ترتيبات عمل أكثر مرونةflexible work arrangements
المصدر: تصوير ذاتي من مؤتمر 14 cp
لن أصعد وحدي
في الماضي، مَنّ الله علىَّ بكرم العمل مع فرق ومدراء مميزين. وأشارك موقفاً مع أحد المدراء السابقين (استأذنته أن أذكر اسمه وقالي لي العبرة في القصة وليس بالشخص فأرد عليه:" حكيم ياشيخ"، توصلنا أني سأستخدم حروفه الأولية دكتور أ.ج).
دكتور أ.ج هو قائد استثنائي عملت معه لمدة 4 سنوات كان هدفه تعزيز كفاءة من يعمل معه. دائماً يؤمن أن نمو من معه سيساعدهم ويساعده. وأكثر ما يزعجه ويغضبه أن يتساهل مع المتظاهر بالعمل أينما كانوا. يرى أن نجاح أي منظومة يعتمد على حماس وارتياح فريق العمل.
ليس تحيز له هذه حقيقة يشهد الجميع عليها. ودليل نجحت المنظومة التي قادها بشكل سريع ولافت. أكثر عبارة كان يرددها دائما: "لن أصعد وحدي. الجميع يصعد معي. فالفضاء واسع ويسعنا". ترقى وانتقل لعمل آخر ولم يستقل عن قلوبنا. ظلت دروسه وطريقة قيادته حاضرة في حياتي.
في أحد المناقشات معه ذكرت له أن طريقتي في القيادة تتلخص بعبارة أذكرها بشكل دائم:" أني قوية وأحب من معي قويًا مثلي، لا أخاف من النجوم المضيئة بل من الثقوب السوداء". دكتور أ.ج كلما ذكرته ابتسمت وتذكرت أخلاقه العالية ترك بصمة محبة لا يزول ولا يغيب نعم الأخلاق والمواقف.
رجوعاً إلى جلسة الاصدقاء، اتفقنا في نهايتها أن الضرر في المنظمات لا يأتي من الاستقالات الصامتة بسبب عدم الرضا عن ظروف العمل والتمييز. بل من المتظاهرين بالعمل هذه الظاهرة تؤدي إلى تكاليف كبيرة من استقالة الكفاءة من أي قطاع وعدم اتخاذ خطوات سريعة وفعالة للحد منها.
Sharm El Sheikh المصدر: تصوير ذاتي من
مع كل الود والحب ،،،
أمل الكناني
فعلا كلامك على الجرح يا مبدعة …….
الكثير من القطاعات لدينا تفتقر الى القائد الناجح.